فصل: تفسير الآيات (27- 40):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال مجاهد: المعنى لا يموتون.
وقال الحسن، والكلبي: لا يهرمون، ولا يتغيرون.
قال الفراء: والعرب تقول للرجل إذا كبر ولم يشمط: إنه لمخلد.
وقال سعيد بن جبير: مخلدون: مقرطون.
قال الفراء: ويقال: مخلدون: مقرطون، يقال: خلد جاريته: إذا حلاها بالخلدة، وهي القرطة.
وقال عكرمة: مخلدون: منعمون، ومنه قول امرىء القيس:
وهل ينعمن إلاّ سعيد مخلد ** قليل الهموم ما يبيت بأوجال

وقيل: مستورون بالحلية، وروي نحوه عن الفراء، ومنه قول الشاعر:
ومخلدات باللجين كأنما ** أعجازهنّ أقاوز الكثبان

وقيل: مخلدون: ممنطقون، قيل: وهم ولدان المسلمين الذين يموتون صغارًا ولا حسنة لهم ولا سيئة، وقيل: هم أطفال المشركين، ولا يبعد أن يكونوا مخلوقين في الجنة للقيام بهذه الخدمة، والأكواب: هي الأقداح المستديرة الأفواه التي لا آذان لها ولا عرى، وقد مضى بيان معناها في سورة الزخرف، والأباريق: هي ذات العرى والخراطيم، واحدها إبريق، وهو الذي يبرق لونه من صفائه، {وَكَأْسٍ مّن مَّعِينٍ} أي: من خمر جارية، أو من ماء جار، والمراد به ها هنا: الخمر الجارية من العيون، وقد تقدّم بيان معنى الكأس في سورة الصافات {لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا} أي: لا تتصدّع رؤوسهم من شربها، كما تتصدّع من شرب خمر الدنيا.
والصداع: هو الداء المعروف الذي يلحق الإنسان في رأسه، وقيل: معنى لا يصدعون لا يتفرقون كما يتفرق الشرّاب، ويقوّي هذا المعنى قراءة مجاهد: (يصدعون) بفتح الياء وتشديد الصاد، والأصل يتصدعون، أي: يتفرقون، والجملة مستأنفة لبيان ما أعد الله لهم من النعيم، أو في محل نصب على الحال، وجملة: {وَلاَ يُنزِفُونَ} معطوفة على الجملة التي قبلها، وقد تقدم اختلاف القراء في هذا الحرف في سورة الصافات، وكذلك تقدّم تفسيره، أي: لا يسكرون فتذهب عقولهم، من أنزف الشارب: إذا نفد عقله، أو شرابه، ومنه قول الشاعر:
لَعْمري لئن أنزفتم أو صَحَوتُمُ ** لبئس الندامى كنتم آل أبْجَرَا

{وفاكهة مّمَّا يَتَخَيَّرُونَ} أي: يختارونه، يقال: تخيرت الشيء: إذا أخذت خيره.
قرأ الجمهور: {وفاكهة} بالجر كذا {لَحْم} عطفًا على {أكواب} أي: يطوفون عليهم بهذه الأشياء المأكول والمشروب والمتفكه به.
وقرأ زيد بن عليّ، وأبو عبد الرحمن برفعهما على الابتداء، والخبر مقدّر، أي: ولهم فاكهة ولحم، ومعنى: {مّمَّا يَشْتَهُونَ}: مما يتمنونه وتشتهيه أنفسهم.
{وَحُورٌ عِينٌ كأمثال اللؤلؤ المكنون} قرأ الجمهور {حور عين} برفعهما عطفًا على {ولدان} أو على تقدير مبتدأ، أي: نساؤهم حور عين، أو على تقدير خبر، أي: ولهم حور عين، وقرأ حمزة، والكسائي بجرّهما عطفًا على أكواب.
قال الزجاج: وجائز أن يكون معطوفًا على {جنات}، أي: هم في جنات وفي حور، على تقدير مضاف محذوف، أي: وفي معاشرة حور.
قال الفراء: في توجيه العطف على أكواب إنه يجوز الجرّ على الاتباع في اللفظ، وإن اختلفا في المعنى؛ لأن الحور لا يطاف بهنّ، كما في قول الشاعر:
إذا مَا الغانياتُ بَرزنَ يَوْمًْا ** وَزَججَّن الحَواجبَ والعُيُونا

والعين لا تزجج، وإنما تكحل، ومن هذا قول الشاعر:
علفتها تبنًا وماء باردًا

وقول الآخر:
متقلدًا سيفًا ورمحًا

قال قطرب: هو معطوف على الأكواب والأباريق من غير حمل على المعنى.
قال: ولا ينكر أن يطاف عليهم بالحور: ويكون لهم في ذلك لذة.
وقرأ الأشهب العقيلي، والنخعي، وعيسى بن عمر بنصبهما على تقدير إضمار فعل، كأنه قيل: ويزوّجون حورًا عينًا، أو ويعطون، ورجح أبو عبيد، وأبو حاتم قراءة الجمهور.
ثم شبههنّ سبحانه باللؤلؤ المكنون، وهو الذي لم تمسه الأيدي، ولا وقع عليه الغبار، فهو أشد ما يكون صفاء، وانتصاب {جزاءً} في قوله: {جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} على أنه مفعول له، أي: يفعل بهم ذلك كله للجزاء بأعمالهم.
ويجوز أن يكون مصدرًا مؤكدًا لفعل محذوف أي: يجزون جزاءً، وقد تقدّم تفسير الحور العين في سورة الطور وغيره: {لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ تَأْثِيمًا} اللغو: الباطل من الكلام، والتأثيم: النسبة إلى الإثم.
قال محمد بن كعب: لا يؤثم بعضهم بعضًا، وقال مجاهد: لا يسمعون شتمًا، ولا مأثمًا، والمعنى: أنه لا يقول بعضهم لبعضهم أثمت؛ لأنهم لا يتكلمون بما فيه إثم.
{إِلاَّ قِيلًا سلاما سلاما} القيل القول، والاستثناء منقطع، أي: لكن يقولون قيلًا، أو يسمعون قيلًا، وانتصاب {سلامًا سلامًا} على أنه بدل من {قيلًا}، أو صفة له، أو هو مفعول به {قيلًا} أي: إلاّ أن يقولوا: سلامًا سلامًا، واختار هذا الزجاج، أو على أنه منصوب بفعل هو محكي بـ: {قيلًا} أي: إلاّ قيلًا سلموا سلامًا سلامًا، والمعنى في الآية: أنهم لا يسمعون إلاّ تحية بعضهم لبعض.
قال عطاء: يحيي بعضهم بعضًا بالسلام، وقيل: إن الاستثناء متصل وهو بعيد؛ لأن التحتية ليست مما يندرج تحت اللغو والتأثيم، قرئ (سلام سلام) بالرفع.
قال مكي: ويجوز الرفع على معنى سلام عليكم، مبتدأ وخبر.
وقد أخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {إِذَا وَقَعَتِ الواقعة} قال: يوم القيامة {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} قال: ليس لها مردّ يردّ {خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} قال: تخفض ناسًا وترفع آخرين.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عنه {خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} قال: أسمعت القريب والبعيد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب {خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} قال: الساعة خفضت أعداء الله إلى النار، ورفعت أولياء الله إلى الجنة.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {إِذَا رُجَّتِ الأرض رَجًّا} قال: زلزلت {وَبُسَّتِ الجبال بَسًّا} قال: فتتت {فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثًّا} قال: شعاع الشمس.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه {فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثًّا} قال: الهباء الذي يطير من النار إذا أضرمت يطير منها الشرر، فإذا وقع لم يكن شيئًا.
وأخرج ابن المنذر عنه أيضًا قال: الهباء ما يثور مع شعاع الشمس، وانبثاثه: تفرقه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب قال: الهباء المنبث: رهج الدواب، والهباء المنثور: غبار الشمس الذي تراه في شعاع الكوّة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس: {وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا} قال: أصنافًا.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه في قوله: {وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثلاثة} قال: هي التي في سورة الملائكة: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات} [فاطر: 32].
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه أيضًا في قوله: {والسابقون السابقون} قال: يوشع بن نون سبق إلى موسى، ومؤمن آل ياسين سبق إلى عيسى، وعليّ بن أبي طالب سبق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن مردويه عنه أيضًا في الآية قال: نزلت في حزقيل مؤمن آل فرعون؛ وحبيب النجار الذي ذكر في يس، وعليّ بن أبي طالب، وكل رجل منهم سابق أمته، وعليّ أفضلهم سبقًا.
وأخرج أحمد عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية: {وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال} فقبض بيديه قبضتين، فقال: «هذه في الجنة ولا أبالي، وهذه في النار ولا أبالي» وأخرج أحمد أيضًا عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«أتدرون من السابقون إلى ظلّ الله يوم القيامة»؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «الذين إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سئلوا بذلوا، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم» وأخرج أحمد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي هريرة قال: لما نزلت: {ثُلَّةٌ مّنَ الأولين وَقَلِيلٌ مّنَ الآخرين} شقّ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت: {ثُلَّةٌ مّنَ الأولين وَثُلَّةٌ مّنَ الآخرين} فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، ثلث الجنة، بل أنتم نصف أهل الجنة، أو شطر أهل الجنة، وتقاسموهم النصف الثاني» وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في البعث عن ابن عباس {على سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ} قال: مصفوفة.
وأخرج سعيد بن منصور، وهناد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في البعث عنه.
قال: مرمولة بالذهب.
وأخرج ابن أبي الدنيا في صفة الجنة، والبزار، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن عبد الله بن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنك لتنظر إلى الطير في الجنة، فتشتهيه فيخرّ بين يديك مشويًا» وأخرج أحمد، والترمذي، والضياء عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن طير الجنة كأمثال البخت ترعى في شجر الجنة» فقال أبو بكر: يا رسول الله إن هذه الطير لناعمة، قال: «آكلها أنعم منها، وإني لأرجو أن تكون ممن يأكل منها» وفي الباب أحاديث.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {كأمثال اللؤلؤ المكنون} قال: الذي في الصدف.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه {لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا} قال: باطلًا {وَلاَ تَأْثِيمًا} قال: كذبًا. اهـ.

.تفسير الآيات (27- 40):

قوله تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أتم سبحانه القسم الأول القلبي السوائي المولي من الثلاثة بقسميه، وذكر في جزائه مما لأصحاب المدن ما لا يمكنهم الوصول إليه، عطف عليه الثاني الذي هو دونه لذلك وهم والله أعلم الأبرار وهم أيضًا صنفان، وذكر في جزائهم من جنس ما لأهل البوادي أنهى ما يتصورونه ويتمنونه فقال: {وأصحاب اليمين} ثم فخم أمرهم وأعلى مدحهم لتعظيم جزائهم، والإشارة إلى أنهم أهل لأن يسأل عن حالهم فإنهم في غاية الإعجاب فقال: {ما أصحاب اليمين} ولما عبر عنهم بما أفهم أنهم أولو القوة والجد في الأعمال، والبركة في جمع الأحوال، ذكر عشيهم بادئًا بالفاكهة لأن عيش الجنة كله تفكه، ذاكرًا منها ما ينبت في بلاد العرب من غير كلفة بغرس ولا خدمة، وأشار إلى كثرة ما يذكره بأن جعله ظرفهم، فقال من غير ذكر لسرير الملك الذي حبا به المقربين من الملك، ولم يزد على ذلك المأكول وما معه بما يتصور للبهائم: {في سدر} أي شجر نبق متدلي الأغصان من شدة حمله، من سدر الشعر- إذا سدله {مخضود} أي هو مع أنه لا شوك له ولا عجم بحيث تنثني أغصانه من شدة الحمل، من خضد الشوك: قطعه، والغصن: ثناه وهو رطب، وفي ذكر هذا تنبيه على أن كل ما لا نفع فيه أو فيه نوع أذى له في الجنة وجود كريم لأن الجنة إنما خلقت للنعيم.
ولما ذكر ما يطلع في الجبال والأماكن المعطشة والرمال، أتبعه ما لا يطلع إلا على المياه دلالة على أن أماكنهم في غاية السهولة والري فقال: {وطلح} أي شجر موز أو نخل، وقال الحسن: شجر له ظل بارد طيب الرائحة وقال الفراء وأبو عبيدة: شجر عظام لها شوك، وقيل: هو أم غيلان، وله نور كثير، ويحكى عن أبي تراب النخشبي أنه كان سائرًا مع قوم من الصوفية على قدم التوكل، فجاعوا أيامًا فقال: أتريدون أن تأكلوا، قالوا: نعم، فضرب بيده على شجرة غيلان فإذا عليها عراجين موز، فأكلوا إلا شابًا منهم، فقال: لا آكل ولا أصحبك بعدها، لأني كنت أسير بلا معلوم، وقد صرت أنت الآن معلومي، كلما جعت التفتت نفسي إليك.